إدارة الشئون الفنية
أعطوا الطريق حقه

أعطوا الطريق حقه

10 مارس 2023

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 18 من شعبان 1444هـ - الموافق 10 / 3 / 2023م

أَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [ال عمران: 102]. أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ مِمَّا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْنَا وَسَخَّرَهُ لَنَا: هَذِهِ السَّيَّارَاتِ وَالْبَاخِرَاتِ وَالطَّائِرَاتِ، فَكَمْ يَسَّرَتْ مِنْ عَسِيرٍ, وَقَرَّبَتْ مِنْ بَعِيدٍ، وَخَفَّفَتْ مِنْ مَصَاعِبَ، وَقَلَّلَتْ مِنْ مَتَاعِبَ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُمْتَنًّا وَمُبَيِّناً فَضْلَهُ عَلَى عِبَادِهِ: )وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ *   وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ  ( [النحل:5-8].

وَلَمَّا كَانَتِ السَّيَّارَاتُ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيْنَا فَقَدْ وَجَبَ شُكْرُهَا، وَحُقَّ ذِكْرُهَا، وَلَزِمَ اسْتِعْمَالُهَا فِي مَحْبُوبَاتِ اللهِ وَمَرَاضِيهِ، وَالِابْتِعَادُ عَنِ اسْتِعْمَالِهَا فِي أَسْبَابِ مَسَاخِطِهِ وَمَنَاهِيهِ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ الشَّاكِرِينَ بِالْمَزِيدِ، وَتَوَعَّدَ الْجَاحِدِينَ بِالنَّكَالِ الشَّدِيدِ؛ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: )وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ( [إبراهيم:7].

وَلْيَسْتَحْضِرِ الْعَبْدُ هَذِهِ النِّعْمَةَ الَّتِي وَهَبَهَا اللهُ لَهُ، وَلْيَذْكُرْ وَيَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: )لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ( [الزخرف:13-14]، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ: أَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهَا مِنَ الْهَلَاكِ وَالْإِهْلَاكِ؛ بِتَرْكِ الطَّيْشِ أَثْنَاءَ الْقِيَادَةِ، وَالتَّهَوُّرِ فِي السُّرْعَةِ فِي الطُّرُقَاتِ؛ اللَّذَيْنِ يُفْضِيَانِ غَالِباً إِلَى الْحَوَادِثِ الْمُؤْسِفَةِ، وَإِزْهَاقِ الأَرْوَاحِ الْبَرِيئَةِ، وَالْمُمْتَلَكَاتِ النَّفِيسَةِ، وَتَخْلِيفِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَاهَاتِ الْمُسْتَدِيمَةِ، وَمِنَ الْإِعَاقَاتِ الْمُزْمِنَةِ الأَلِيمَةِ، وَسَلْبِ سَعَادَةِ أُنَاسٍ بُرَءَاءَ مِنَ الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ، وَتَفْتِيتِ أَكْبَادِ الْوَالِدَيْنِ، وَتَقْطِيعِ قُلُوبِ الْأَقْرَبِينَ وَالْمُحِبِّينَ؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «التَّأَنِّي مِنَ اللهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ» [رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ ].

عِبَادَ اللهِ:

لَقَدْ أَظْهَرَتْ إِحْصَاءَاتُ حَوَادِثِ السَّيْرِ: أَنَّ أَعْدَادَ ضَحَايَا تِلْكَ الْحَوَادِثِ قَدْ بَلَغَ الْمِئَاتِ فِي كُلِّ عَامٍ. فَأَيُّ فَاجِعَةٍ تَحُلُّ بِأُسَرِ الْمُصَابِينَ؟! وَأَيُّ مُصِيبَةٍ أَعْظَمُ عَلَى صُدُورِهِمْ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْمَصَائِبِ؟! أَلَا فَلْيَعْلَمْ كُلُّ مَنْ تُسَوِّلُ لَهُ نَفْسُهُ الطَّيْشَ وَالتَّهَوُّرَ وَالرُّعُونَةَ: أَنَّ رُوحَهُ لَيْسَتْ مِلْكاً لَهُ، وَأَنَّ أَرْوَاحَ الْآخَرِينَ لَيْسَتْ رَخِيصَةً وَلَا هَيِّنَةً؛ إِنْ كَانَتْ رُوحُهُ رَخُصَتْ عَلَيْهِ أَوْ هَانَتْ!؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: )وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا( [النساء:29]، وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: )وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ( [البقرة:195].

وَلْيَعْلَمْ أَنَّ قِيَادَةَ السَّيَارَةِ بِسُرْعَةٍ جُنُونِيَّةٍ أَوْ زَائِدَةٍ عَنِ الْمِقْدَارِ الْمَسْمُوحِ بِهِ خَطَأٌ جَسِيمٌ، وَوَبَالٌ عَظِيمٌ، فَكَمْ مِنْ نُفُوسٍ أُزْهِقَتْ، وَأَطْفَالٍ يُتِّمَتْ، وَنِسَاءٍ رُمِّلَتْ!!، وَكَمْ بُتِرَ مِنْ أَطْرَافٍ، وَشُوِّهَ مِنْ مَلَامِحَ وَأَوْصَافٍ!! وَكَمْ أَعْقَبَتْ مِنْ عَاهَاتٍ، وَأَحْدَثَتْ مِنْ حَاجَاتٍ, وَأَوْرَثَتْ مِنْ زَفَرَاتٍ وَحَسَرَاتٍ!!!.

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:

إِنَّ مِنْ آدَابِ الطَّرِيقِ: رَبْطَ حِزَامِ الْأَمَانِ، وَإِعْطَاءَ الطَّرِيقِ حَقَّهُ، وَإِفْسَاحَ الْمَجَالِ لِلْآخَرِينَ، وَالْتِزَامَ حَارَتِهِ فِي الطَّرِيقِ، وَاسْتِعْمَالَ الْإِشَارَاتِ الضَّوْئِيَّةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَغَضَّ الْبَصَرِ، وَكَفَّ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْأَذَى، وَرَدَّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَرْكَ التَّسَابُقِ فِي الطَّرِيقِ وَالرُّعُونَةِ فِي الْقِيَادَةِ، وَعَدَمَ وَضْعِ مُفَخِّمَاتِ الصَّوْتِ فِي عَادِمِ السَّيَّارَةِ، وَالْإِضَاءَةِ الزَّائِدَةِ أَوِ الْمُبْهِرَةِ فِي اللَّيْلِ؛ لِئَلَّا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: «إِذْ أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

كَفَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ شُرُورَ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، وَحَفِظَنَا فِي أَنْفُسِنَا وَأَهْلِينَا وَأَمْوَالِنَا، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ، وَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:

لَقَدْ جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ لِتَحْقِيقِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ عَنْهُمْ؛ فَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِالْإِصْلَاحِ وَنَهَى عَنِ الْإِفْسَادِ، فَقَالَ: ] وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ( [الأعراف:142]. وَنَهَانَا جَلَّ وَعَلَا عَنْ طَاعَةِ الْمُفْسِدِينَ، فَقَالَ: ]وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ( [الشعراء:151-152].

وَلَقَدْ حَارَبَتْ شَرِيعَتُنَا الْإِسْلَامِيَّةُ كُلَّ صُوَرِ الْفَسَادِ؛ الَّتِي تُفْسِدُ الذِّمَمَ وَتُحَارِبُ الْقِيَمَ، وَتُخَرِّبُ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ. وَكُلُّ امْرِئٍ مَسْؤُولٌ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ أَتَى بِهِ؟ وَأَيْنَ وَضَعَهُ؟ فَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ]. وَلَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَخَذَ الرِّشْوَةَ أَوْ أَعْطَاهَا؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‌الرَّاشِيَ ‌وَالْمُرْتَشِيَ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ].

وَحَرَّمَتِ الشَّرِيعَةُ أَخْذَ الْمَالِ بِالطُّرُقِ الْمُحَرَّمَةِ؛ فَعَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

إِخْوَةَ الإِيمَانِ:

وَلَقَدْ نَهَتِ الشَّرِيعَةُ عَنِ الْغِشِّ بِكُلِّ صُوَرِهِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَمِنَ الْغِشِّ: غِشُّ الْحِرَفِ وَالْمِهَنِ، وَالْغِشُّ التِّجَارِيُّ الَّذِي اسْتَشْرَى عِنْدَ أَهْلِ الطَّمَعِ وَالْجَشَعِ، وَأَغْرَوْا بِهِ الْمُسْتَهْلِكِينَ، وَغَرَّرُوا بِهِ الْبُسَطَاءَ مِنَ الْآدَمِيِّينَ، وَمِنْ صُوَرِ هَذَا الْغِشِّ التِّجَارِيِّ: الْخَلْطُ بَيْنَ الْبِضَاعَةِ الْجَيِّدَةِ وَالْبِضَاعَةِ الرَّدِيئَةِ، أَوْ بَيْنَ الْبِضَاعَةِ الرَّخِيصَةِ وَالْبِضَاعَةِ الثَّمِينَةِ؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ؛ وَقَدْ حَسَّنَهُ صَاحِبُهُ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، فَإِذَا طَعَامٌ رَدِيءٌ، فَقَالَ: «بِـعْ هَذَا عَلَى حِدَةٍ، وَهَذَا عَلَى حِدَةٍ، فَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. وَمِنْهَا: تَبْدِيلُ عَلَامَاتِ تَسْجِيلِ الْبَضَائِعِ أَوْ مَا يُعْرَفُ بِالْمَارْكَاتِ التِّجَارِيَّةِ، فَيَضَعُ الْمَارْكَةَ الثَّمِينَةَ مَكَانَ الرَّدِيئَةِ؛ لِيُغْرِيَ الْمُشْتَرِيَ بِأَنَّهَا مِنَ النَّوْعِ الْمَرْغُوبِ، وَهِيَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، أَوْ يَضَعُ الْجَيِّدَ مِنَ الْبِضَاعَةِ فِي الْأَعْلَى وَيُخَبِّئُ الرَّدِيءَ فِي أَسْفَلِهَا؛ لِيُغْرِيَ بِهَا غَيْرَهُ، أَوْ يُغَيِّرُ تَارِيخَ فَتْرَةِ صَلَاحِيَةِ الْمُنْتَجِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: الْإِبْقَاءُ عَلَى الْمُنْتَجِ الْفَاسِدِ وَغَيْرِ الصَّالِحِ لِلِاسْتِعْمَالِ أَوْ الِاسْتِهْلَاكِ الْآدَمِيِّ أَوِ الْحَيَوَانِيِّ، وَبَيْعُهُ لِلنَّاسِ عَلَى أَنَّهُ صَالِحٌ. وَمِنْهَا: بَيْعُهُ مُنْتَجًا غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْمُوَاصَفَاتِ الْقِيَاسِيَّةِ الْمُعْتَمَدَةِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

فَهَذِهِ وَغَيْرُهَا – يَا عِبَادَ اللهِ- تُعَدُّ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَالْحَرَامِ، وَتُعْتَـبَـرُ مِنْ غِشِّ النَّاسِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَهُوَ يَجْلِبُ مَحْقَ الْبَرَكَةِ مَعَ ارْتِكَابِ السَّيِّئَاتِ وَالْآثَامِ، فَحَرِيٌّ بِأَهْلِ الْغِشِّ أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُ، وَوَاجِبٌ عَلَى أَهْلِ الْجَشَعِ وَالطَّمَعِ أَنْ يَتُوبُوا مِنْهُ، وَيَتَّقُوا اللهَ فِي تِلْكَ الْمُعَامَلَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَلَا يَغْتَرُّوا بِمَا يَكْسِبُونَهُ مِنْ أَمْوَالٍ بِأَسَالِيبَ مُجَرَّمَةٍ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ[ [البقرة:281].

 وَعَلَى الْمُؤَسَّسَاتِ وَالْأَفْرَادِ: أَنْ يُكَافِحُوا الْغِشَّ بِأَشْكَالِهِ، وَيُحَارِبُوا الْفَسَادَ بِأَنْوَاعِهِ وَأَلْوَانِهِ؛ كُلٌّ فِي مَوْقِعِهِ؛ وَفْقَ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الْمَرْعِيَّةِ؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالْغَلَاءَ، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنَ الزَّلَازِلِ وَالْكَوَارِثِ وَالْفِتَنِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَهْلِنَا وَمَالِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا الصَّالِحَةَ فِي رِضَاكَ، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني